كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ذهب الدهر بعمر بن حلي والهنيات

ثم بالحرث والهلقام طلاع الثنيات

والذي سدّ مهب الريح أيام البليات

وبإسناد أبي حمزة الثمالي قال حدّثني محمد بن سفيان عن محمد بن قرظة بن كعب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انتزعت الريح الناس من قبورهم».
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ} قال ابن عباس: أُصول، وقال الضحّاك: أوراك. {نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} منقلع من مكانه، ساقط على الأرض، وواحد الأعجاز عجز مثل عضد وأعضاد، وإنّما قال: أعجاز نخل وهي أُصولها التي تقطعت فروعها، لأن الريح كانت ترمي رؤوسهم من أجسادهم، فتبقى أجسام بلا رؤوس.
سمعت أبا القاسم الجنيني يقول: سمعت أبا علي الحسين بن أحمد القاضي البيهقي. يقول: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن القاسم بن سياب الأنباري يقول: سئل المبرّد بحضرة إسماعيل بن إسحاق القاضي عن ألف مسألة هذه من جملتها، وهو أن السائل قال: ما الفرق بين قوله: {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: 22] و{وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] و{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] وقوله: و{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}؟ فقال: كل ما ورد عليك من هذا الباب فلك أن تردّه إلى اللفظ تذكيرًا، ولك أن ترده إلى المعنى تأنيثًا.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} {فقالوا أَبَشَرًا} آدميًّا واحدًا منّا {إِنَّآ إِذًا} ونحن جماعة كثيرة وهو واحد، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع، وكلا الوجهين سايغ في عايد الذكر {نَّتَّبِعُهُ} إنْ فعلنا ذلك وتركنا دين آبائنا وتابعناه على دينه، وهو واحد منا آدمي مثلنا {لَّفِي ضَلاَلٍ} ذهاب عن الصواب {وَسُعُرٍ} قال ابن عباس: يعني وعذاب، قال الحسن: شدة العذاب. قتادة: عناء. سفيان بن عيينة: هو جمع سعيرة. الفرّاء: جنون، يقال: ناقة مسعورة إذا كانت خفيفة الرأس هايمة على وجهها. قال الشاعر يصف ناقة:
تخال بها سعرًا إذا السفر هزها ** ذميل وإيقاع من السير متعب

وقال وهب: وسعر: أي بعدٌ من الحق.
{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ} أأُنزل الوحي {الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} ترح مرح بطر متكبر يريد أن يتعظّم علينا بادّعائه النبوّة.
وقال عبدالرَّحْمن بن أبي حماد: الأشِر الذي لا يبالي ما قال، وقرأ مجاهد {أَشِرٌ} بفتح الألف وضم الشين وهما لغتان مثل حَذِر وحَذُر ويَقِظ ويَقُظ وعَجِل وعَجُل ومَجِد ومَجُد الشجاع.
{سَيَعْلَمُونَ} غدًا بالتاء شامي، والأعمش ويحيى وابن ثوبان وحمزة وغيره بالياء، فمن قرأ بالتاء فهو من قول صالح لهم، ومن قرأ بالياء فهو من قول الله سبحانه، ومعنى الكلام: في الغد القريب على عادة الناس في قولهم للعواقب: إنّ مع اليوم غدًا، وإنّ مع اليوم أخاه غدًا، وأراد به وقت نزول العذاب بهم {مَّنِ الكذاب الأشر} قرأ أبو قلامة: مَن الكذاب الأشر بفتح الشين وتشديد الراء على وزن أفعل من الشر، والقراءة الصحيحة ما عليه العامة.
قال أبو حاتم: لا يكاد العربي يتكلم بالأشَرّ والأخير إلا في ضرورة الشعر كقول رؤبة:
بلال خير الناس وابن الأخير

إنّما يقولون: خير وشر.
قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وقال سبحانه: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا} [يوسف: 77].
{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا {فِتْنَةً} محنة {لَّهُمْ فارتقبهم} وانتظرهم وننظر ما هم صانعون {واصطبر} واصبر على ظلمهم وأذاهم، ولا تعجل حتى يأتيهم أمري، واصطبر: افتعل من الصبر، وأصل (الطاء) فيه (تاء) فحوّلت (طاء) لأجل (الصاد).
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وبين الناقة بالسويّة لها يوم ولهم يوم، وإنّما قال: بينهم؛ لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلّبوا بني آدم على البهائم. {كُلُّ شِرْبٍ} نصيب من الماء {مُّحْتَضَرٌ} يحضره من كانت نوبته، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها، وإذا كان يومهم حضروا شربهم، وقال مجاهد: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة، وإذا جاءت حضروا اللبن.
{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} قدار بن سالف وكان أشقر؛ ولذلك قيل له: أشقر ثمود {فَعَقَرَ} فتناول الناقة بسيفه فعقرها، ولذلك سمّيت العرب الجزار قدارًا تشبيها به، وقال الشاعر:
إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسهم ** ضرب القدار نقيعة القدام

{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} ثم بيّن عذابهم فقال عز من قائل: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} قرأ الحسن وقتادة بفتح (الظاء) أراد الحظيرة، وقرأ الباقون بكسر (الظاء) أرادوا صاحب الحظيرة.
قال ابن عباس: هو أن الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم، وقال قتادة: يعني كالعظام النخرة المحترقة وهي رواية العوفي عن ابن عباس ورواية أبي ظبيان عنه أيضًا، كحشيش يأكله الغنم، وقال سعيد بن جبير: هو التراب الذي يتناثر من الحائط. ابن زيد: هو الشجر البالي الذي تهشّم حتى ذرّته الريح، والعرب تسمّي كل شيء كان رطبًا فيبس هشيمًا.
{وَلَقَد يَسَّرْنَا} هوّنا عليهم {القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} ريحًا ترميهم بالحصباء، وهي الحصى، وقال بعضهم: هو الحجر نفسه.
قال الضحّاك: يعني صغار الحصى، والحاصب والحصب والحصباء هي الحجر الذي دون ملء الكف، والمحصب الموضع الذي يرمى فيه الجمار، وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأهل المدينة: حصّبوا المسجد، أي صبّوا فيه الحجارة.
ثم استنثى فقال: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} أي أتباعه على دينه من أهله وأُمته {نَّجَّيْنَاهُم} من العذاب {بِسَحَرٍ} قال الأخفش: إنّما أجراه، لأنه نكرة، ومجازه: بسحر من الأسحار، ولو أراد بسحر يوم بعينه لقال: سحر غير مجرى، ونظيره قوله: {اهبطوا مِصْرًا} [البقرة: 61].
{نِّعْمَةً} يعني كان ذلك أو جعلناه نعمة {مِّنْ عِندِنَا} عليهم حيث أنجيناهم وأهلكنا أعداءهم {كَذَلِكَ} كما جزيناهم، لوطًا وآله {نَجْزِي مَن شَكَرَ} فآمن بالله وأطاعه.
{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} لوط {بَطْشَتَنَا} أخذنا لهم بالعقوبة قبل حلولها بهم {فَتَمَارَوْاْ بالنذر} فكذبوا بإنذاره شكًا منهم فيه وهو تفاعل من المرية.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} طالبوه وسألوه أن يخلّي بينهم وبينهم. يقول العرب: راده تروده وارتاده وراوده يراوده نظيرها {وَرَاوَدَتْهُ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} [يوسف: 23].
{فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ} أي أعميناهم، وصيّرناها كساير الوجه لا يُرى لها شق، وذلك أنّهم لما قصدوا دار لوط عليه السلام وعالجوا بابه ليدخلوا، قالت الرسل للوط: خلِّ بينهم وبين الدخول فإنّا رسل ربك لن يصلوا إليك، فدخلوا الدار فاستأذن جبريل ربّه عزّ وجل في عقوبتهم فأذن له فصفقهم بجناحه، فتركهم عميًا يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب، وأخرجهم لوط عميًا لا يبصرون. هذا قول عامة المفسّرين، وقال الضحّاك: طمس الله على أبصارهم فلم يروا الرسل وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا؟، فلم يروهم ورجعوا {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ}.
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} جاءهم العذاب وقت الصبح {بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دائم عام استقر فيهم حتى يُقضى بهم الى عذاب الآخرة.
{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} يعني موسى وهارون عليهما السلام.
{كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا} التسع {كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ} بالعذاب {أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} قادر لا يعجزه ما أراد، ثم خوّف أهل مكة فقال عز من قائل: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون {أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ} من العذاب {فِي الزبر} الكتب تأمنون.
{أَمْ يَقولونَ} يعني كفار مكة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي جماعة لا ترام ولا تضام، ولا يقصدنا أحد بسوء، ولا يريد حربنا وتفريق جمعنا إلا انتقمنا منهم، وكان حقّه: منتصرون فتبع رؤوس الآي.
{سَيُهْزَمُ الجمع} قراءة العامة على غير تسمية الفاعل، وقرأ يعقوب بالنون والنصب وكسر الزاي، وفتح العين على التعظيم {وَيُوَلُّونَ الدبر} أي الأدبار، فوحّد والمراد الجمع لأجل رؤوس الآي، كما يقال: ضربنا منهم الرؤوس، وضربنا منهم الرأس، إذا كان الواحد يؤدي عن معنى جميعه، فصدق الله سبحانه وتعالى وعده وهزمهم يوم بدر.
قال مقاتل: ضرب أبو جهل فرسه فتقدم يوم بدر في الصف وقال: نحن منتصر اليوم من محمد وأصحابه.
قال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب لمّا نزلت {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}: كنت لا أدري أي جمع نهزم، فلمّا كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في درعه ويقول: {سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}.
{بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ} جميعًا {والساعة أدهى وَأَمَرُّ} أعظم بليّة وأشدّ مرارة من عذاب يوم بدر.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن زياد، قالد حدّثنا أبو مصعب قال: حدّثنا مجرد بن هارون عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال سبعًا ما ينتظرون هل هو إلاّ فقر منسي أو غنى مطع أو مرض مفسد أو كبر معند أو موت مجهز، والدجال شر مستطر، والساعة والساعة أدهى وأمرّ».
{إِنَّ المجرمين} المشركين {فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} قال الضحاك: يعني نارًا ستعرض عليهم. قال الحسين بن الفضل: إن المجرمين في ضلال في الدنيا ونار في الآخرة، وقال ابن كيسان: بُعْدٌ من الحق، وقيل: جنون، وقال قتادة في عناء وعذاب، ثم بيّن عذابهم، فقال: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ} يُجرّون {فِي النار على وُجُوهِهِمْ} ويقال لهم: {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} وإنّما هو كقولك: ذق المر السياط.
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} بالنصب قراءة العامة، وقرأ أبو السماك العدوي بالرفع {خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} قال الحسن: قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له، وقال الربيع: هو كقوله: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] أي أجلا لا يتقدم ولا يتأخر، وقال ابن عباس: إنّا كل شيء جعلنا له شكلا يوافقه ويصلح له، فالمرأة للرجل، والأتان للحمار، والرمكة للفرس، وثياب الرجال للرجال لا تصلح للنساء، وثياب النساء لا تصلح للرجال وكذلك ما شاكلها على هذا.
وروى علي بن أبي طلحة عنه قال: خلق الله سبحانه الخلق كلّهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاوة.
{وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ} وحقّه واحد، قال أبو عبيدة هو نعت للمعنى دون اللفظ مجازها: وما أمرنا إلا مرة واحدة، يعني الساعة وقيل: معناه وما أمرنا الشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة (كن فيكون) لا مراجعة فيها. {كَلَمْحٍ بالبصر} وذُكر أن هذه الآيات نزلت في القدرية.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن بقراءتي عليه في داري قال: حدّثنا الفضل ابن الفضل الكندي، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن النعمان قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن حفص قال: حدّثنا الحسن بن حفص قال: حدّثنا سفيان عن زياد ابن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال: جاء مشركو قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت هذه الآية {إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} الى آخر السورة.